نبذة عن الكتاب
النيل والفرات:
إن مفارقات الأمور أنه وبقدر ما جسدت تجربة الجهاد الأفغاني معنى الجهاد الإسلامي، عرفت هذه التجربة النضالية في تلك المرحلة ظلماً حل بالجهاد الأفغاني، ومرد ذلك ربما يعود لاكتمال عناصر الاستنفار غير الإسلامي في تلك التجربة الفريدة والصورة تبدو واضحة. فهذا بلدٌ مسلم تعرّض للاحتلال من جانب دولة شيوعية تتبنى الإلحاد وتدعو إليه، ثم خرج أهله الأفغان يقاومون رافعين راية "الجهاد"، وهي الكلمة التي ما إن أطلقت في الفضاء الإسلامي الواسع حتى كان لها مفعول السحر. إذ ترددت أصداؤها في كل ضمير مسلم حيثما وجد، الأمر الذي استنفر نفراً من أبناء المسلمين في كل مكان، وجمع على أرض الجهاد أشتاتاً منهم لا تلتقي إلا في موسم الحج. بل ربما كانت تلك هي المرة الأولى في العصر الحديث التي يجتمع فيها المسلمون بذلك القدر من التنوع خارج الأراضي المقدسة، ويكون الجهاد في سبيل الله هو الراية التي التفوا حولها، وتكون الشهادة أمل كل واحد منهم.
تلك اللحظة النادرة والباهرة في التاريخ الإسلامي الحديث أجهضتها وطمست معالمها التطورات اللاحقة التي شوهت براءة الصفحة الجهادية، حين تدخلت الأطراف الخارجية لكي تحقق مآربها، وحين تقاتل بعض زعماء المجاهدين فيما بينهم في تنازعهم على السلطة بعد التحرير، وحين أفسدت المغانم بعض القادة الميدانيين فأساؤوا التصرف وشوّهوا صفحة الجهاد، وحين عاد بعض المنسوبين للجهاد إلى أوطانهم وانخرطوا في جماعات العنف والإرهاب وأخيراً حين اعتلى السلطة في أفغانستان من أقام نموذجاً شوّه الإسلام وأساء إلى صورته.
وعندما حدث ذلك كله، لم يرَ كثيرون في الجهاد الإسلامي وجهه المضيء أو بداياته المشرقة، ولعبت السياسة والإعلام دورهما على نحو يكاد يمحون من ذاكرة الأمة ذلك الوجه، ويربط بين الجهاد وبين ما لا حصر له من الشرور والرزايا التي أصابت الأمة، حتى أصبح الجهاد جناية وغدا "العائدون من أفغانستان" متهمين ومدانين قبل أي محاكمة أو تحرّ من أي نوع، وأصبحت سيرة الجهاد باعثة على الاستياء، فضلاً عن التوجس والخوف.
وهذا الكتاب الذي نقلب صفحاته يردّ الاعتبار للجهاد، ويسلط الضوء على تجربة مواطن مصري، وأمثاله كثيرون، لم ينتم إلى جماعة ولم ينخرط يوماً في أي عمل عام، سياسي أو غيره، لكنه سمع نداء الجهاد فقرر أن يلبي. رأى الغرض الكفائي فرضاً عينياً، فشد رحاله إلى أفغانستان في صيف عام 1988م، هو الباحث الذي تخرّج بتفوق في العلوم الزراعية حتى يحصل على شهادة الدكتوراه. لكنه نفض عن نفسه كل ذلك حين بلغته الدعوة، واختار أن يكون مجاهداً لا يشغله سوى شيء واحد: أن يدافع عن ديار الإسلام حتى يحقق لها النصر، أو تكتب له الشهادة.
أمضى صاحب هذه المذكرات أو جعفر القندرهاري سنتين يقاتل في أفغانستان، إلى أن أصيب إصابة بالغة في ساقه في إحدى العمليات، أعجزته عن مواصلة القتال، وأقعدته مدة سبعة أشهر تحت العلاج في إحدى المستشفيات الباكستانية. وخلال تلك المدة، دوّن ذكرياته التي حفظتها هذه الصفحات. وحمل المذكرات، ثم عاد إلى القاهرة مفتوناً بالتجربة والناس، ومعتزاً بالاسم الذي اختاره لنفسه حينما انخرط في صفوف المجاهدين: أبو جعفر المصري القندهاري. وهو الاسم الذي سجل به أنه ولد مرتين: مرة في مصر، ومرة في قندهار.
وقد وقفت الذكريات عند أواخر عام 1990م، حين لم يجد السوفييت مناصاً من الانسحاب، وبالتالي فإنها لم تتناول الأحداث التالية، من تقاتل زعماء المجاهدين فيما بين عامي 1992 و1994، ثم ظهور جماعة طالبان في عام 1994 واستيلائهم على السلطة في عام 1996. والأمر كذلك. ولذا يكن القول بأن هذه الذكريات غطت مرحلة "البراءة" في الجهاد الأفغاني، الأمر الذي يعزز من قيمتها بالإضافة إلى ذلك فإن صاحب هذه الذكريات ليس كاتباً محترفاً مما أضفى على المذكرات قدراً كبيراً من الصدق والتلقائية، نفتقدها في الكثير مما كتب عن الشأن الأفغاني. والقارئ بحاجة لأن يطالع ذلك الوجه للتجربة الجهادية الأفغانية، لكي يرى النصف الملآن في الكأس، بعدم هيمنت على المدارك صورة نصفها الفارغ.
الناشر:
هذا الكتاب يسلط الضوء على تجربة مواطن مصري-أمثاله كثيرون-لم ينتم إلى جماعة ولم ينخرط يوماً في أي عمل عام، سياسي أو غيره: لكنه سمع نداء الجهاد فقرر أن يلبي، فشد رحاله إلى أفغانستان في صيف عام 1988.
أمضى صاحبنا سنتين يقاتل في أفغانستان، إلى أن أصيب إصابة بالغة في ساقه في إحدى العمليات، أعجزته عن مواصلة القتالة، وأقعدته مدة سبعة أشهر تحت العلاج في إحدى المستشفيات الباكستانية, وخلال تلك المدة، دون ذكرياته التي تطالعها في صفحات هذا الكتاب. معتزاً بالاسم الذي اختاره لنفسه حينما انخرط في صفوف المجاهدين: أبو جعفر المصري القندهاري.
وصاحب هذه الذكريات ليس كاتباً محترفاً، وغيبة الحرفة عنها لا تنقص من قدرها بالضرورة، وإنما أضفت عليها قدراً لا باس به من الصدق والتلقائية، نفتقدها في الكثير مما كتب عن الشأن الأفغاني، لذا فقد تركنا الذكريات كما كتبها دون تدخل من قريب أو بعيد، بما فيها من كلمات أو تعبيرات قد تبدو غريبة على القارئ.
لقد وقفت الذكريات عند أواخر عام 1990، حين لم يجد السوفييت مناصاً من الانسحاب، وبالتالي فإنها لم تتناول الأحداث التالية، من تقاتل زعماء المجاهدين فيما بين عامي 1992 و1994، ثم ظهور جماعة طالبان واستيلائهم على السلطة في عام 1996. والأمر كذلك، فربما جاز لنا أن نقول إن الذكريات غطت مرحلة "البراءة" في الجهاد الأفغاني إذا صح التعبير.